يحلق الإنسان بخياله في فضاء المستحيل، فتتجسد أحلامه في جعل المستحيل واقعاً ملموساً، وكم من حكاية سطرها، أمست اختراعاً غيّر مسار التاريخ، فخرج إلينا أدب الخيال العلمي. ومن أهم هؤلاء الكتاب في القرن العشرين، الكاتب الأمريكي اسحق آزيموف (1920-1992).
جمع آزيموف بين عقلية عالم الكيمياء العضوية، فكان أستاذاً لها بجامعة بوسطن، وخيال الأديب، فكتب كتباً لا حصر لها في موضوعات شتى، تركز بعضها على أدب الخيال العلمي، لعل أشهرها سلسلة قصصه عن الإنسان الآلي أو الروبوت، التي بدأ في كتابتها ونشرها عام 1940، ليتم جمعها لاحقاً في كتاب بعنوان I, Robot. وعلى الرغم من أن الكثير من النقاد قد يرون في قصة آزيموف بعنوان “Nightfall” (1941) الإسهام الأكبر لهذا النوع الأدبي في القرن العشرين، إلا أن مجموعته I, Robot كان لها الأثر الأكبر علماً وأدباً.
تتكون سلسلة I, Robot من تسع قصص قصيرة، قام آزيموف لاحقاً بضمها معاً لتصبح رواية، فيم يعرف أدبياً برواية fix-up novel، وهي تقنية أدبية لا تستخدم كثيراً، لكنها أضفت على سلسلة قصص آزيموف تطوراً زمنياً ونشوئياً على أشكال الروبوتات كما تصورها.
وينطلق بنا الكاتب في تصوره للإنسان الآلي، من أولى المحاولات العلمية والتكنولوجية لبناء الروبوت، إلى قدرته على التعلم والمحاكاة من خلال الذكاء الاصطناعي. فنجد نحن قراء القرن الحادي والعشرين اليوم الكثير من الأوجه العلمية التي قد تحققت في كتاباته، فنقرأ قصص آزيموف كأنها تاريخ وليس توقعاً لمستقبل خيالي كما كتبها.
ومن أهمية قصص آزيموف أدبياً، أنه – بصفته عالم – لم يقدم تلك النظرة التشاؤمية التي آثر الكثير من الكتاب على تقديمها، فلم يصور العلم وتقدمه باعتباره خطراً يهدد الحضارة الإنسانية، أو مؤدياً إلى فنائها، وإنما رأى في تقدم العلم وارتقاء التكنولوجيا نهوضاً بالبشرية. وهنا يأتي أهم اسهامات آزيموف العلمية/الأخلاقية، فقد طرح في اطار قصص الإنسان الآلي هذه ما أمسى معروفاً في مجتمع علماء التكنولوجيا والروبوتات "بقوانين علم الروبوتات الثلاث" (1942)، وهي القوانين التي أراد بها تنظيم نشوء الإنسان الآلي وسلوكه، لضمان فائدته الأبدية، والحفاظ على الجنس البشري من خروج الروبوتات عن السيطرة، أو تفوقها على الإنسان.
وقد أثارت هذه القوانين الكثير من الجدل في الأوساط العلمية، وأوساط علم الروبوتات والذكاء الاصطناعي بشكل خاص، حتى يومنا هذا. أما في مجال الأدب، وأدب الخيال العلمي خاصة، فقد نشأ عن فكر آزيموف هذا العديد من الموضوعات الأدبية الجدلية الأخرى. فعلى سبيل المثال، يركز الأدب على سبغ أغوار الشخصيات ونفسياتها وانفعالاتها، فأصبح هذا موضوعاً شيقاً وجديراً لكتاب الخيال العلمي، بل ولاحقاً لكتاب أفلام هوليوود، فيتناولون أوجه "شخصية" الروبوت، وقدراته على الارتباط مع مالكيه، ومن ثم قدرته على الاختيار واتخاذ قرارات تعتمد على الواقع المعاش.
كما يحرص الأدب على تصوير العلاقات الإنسانية المركبة، ولا ينحصر الأمر هنا مجرد على العلاقات العاطفية، وإنما في حالة العلاقة بين الإنسان والروبوت، فإن هناك سبغاً أدبياً لعلاقات القوة بينهما، فيرى الأدب في عدم التكافؤ بين الطرفين بزوغ علاقة السيد بالعبد، وهو أحد الموضوعات المطروحة في قصص آزيموف.
لا شك أن عالم الروبوتات الذي صوره آزيموف ليس بعيد المنال، تظل أعماله تستقطب أجيالاً من القراء والكتاب والنقاد والعلماء، مثيراً الكثير من الموضوعات والخيالات العلمية، ليفتح آفاقاً جديدة.
Comments